فصل: شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 ذكر زوجاته وبنيه وبناته

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال‏:‏ لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ سميته حرباً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو حسن‏)‏‏)‏‏.‏

فلما ولد الحسين قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ سميته حرباً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو حسين‏)‏‏)‏‏.‏

فلما ولد الثالث، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ حرباً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو محسن، ثم قال‏:‏ إني سميتهم اسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه محمد بن سعد، عن يحيى بن عيسى التيمي، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏

قال علي‏:‏ كنت رجلاً أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً، فذكر الحديث بنحو ما تقدم، لكن لم يذكر الثالث‏.‏

وقد ورد في بعض الأحاديث‏:‏ أن علياً سمى الحسن أولاً بحمزة، وحسيناً بجعفر فغير اسميهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/367‏)‏

فأول زوجة تزوجها علي رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنى بها بعد وقعة بدر، فولدت له الحسن وحسيناً ويقال‏:‏ ومحسناً ومات وهو صغير‏.‏

وولدت له زينب الكبرى، وأم كلثوم، وهذه تزوج بها عمر بن الخطاب كما تقدم‏.‏

ولم يتزوج علي على فاطمة حتى توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر‏.‏

فلما ماتت تزوج بعدها بزوجات كثيرة، منهن من توفيت في حياته، ومنهن من طلقها، وتوفي عن أربع كما سيأتي‏.‏

فمن زوجاته‏:‏ أم البنين بنت حرام، وهو المحل بن خالد بن ربيعة بن كعب بن عامر بن كلاب، فولدت له العباس، وجعفراً، وعبد الله، وعثمان‏.‏

وقد قتل هؤلاء مع أخيهم الحسين بكربلاء ولا عقب لهم سوى العباس‏.‏

ومنهن‏:‏ ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم، فولدت له عبيد الله، وأبا بكر، قال هشام بن الكلبي‏:‏ وقد قتلا بكربلاء أيضاً‏.‏

وزعم الواقدي‏:‏ أن عبيد الله قتله المختار بن أبي عبيد يوم الدار‏.‏

ومنهن‏:‏ أسماء بنت عميس الخثعمية، فولدت له يحيى ومحمداً الأصغر قاله الكلبي‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ ولدت له يحيى وعوناً‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فأما محمد الأصغر فمن أم ولد‏.‏

ومنهن‏:‏ أم حبيبة بنت زمعة بن بحر بن العبد بن علقمة، وهي أم ولد، من السبي الذين سباهم خالد من بني تغلب حين أغار على عين التمر، فولدت له عمر - وقد عمر خمساً وثلاثين سنة - ورقية‏.‏

ومنهن‏:‏ أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت له أم الحسن، ورملة الكبرى‏.‏

ومنهن‏:‏ ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب الكلبية، فولد له جارية فكانت تخرج مع علي إلى المسجد وهي صغيرة، فيقال لها‏:‏ من أخوالك‏؟‏

فتقول‏:‏ وه وه تعني‏:‏ بني كلب‏.‏

ومنهن‏:‏ أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحملها وهو في الصلاة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، فولدت له محمداً الأوسط‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/368‏)‏

وأما ابنه محمد الأكبر فهو ابن الحنفية وهي‏:‏ خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، سباها خالد أيام الصديق أيام الردة من بني حنيفة، فصارت لعلي بن أبي طالب فولدت له محمداً هذا‏.‏

ومن الشيعة من يدّعي فيه الأمامة والعصمة، وقد كان من سادات المسلمين ولكن ليس بمعصوم، ولا أبوه معصوم، بل ولا من هو أفضل من أبيه من الخلفاء الراشدين قبله ليسوا بواجبي العصمة كما هو مقرر في موضعه والله أعلم‏.‏

وقد كان لعلي أولاد كثيرة آخرون من أمهات أولاد شتى فإنه مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية رضي الله عنه‏.‏

فمن أولاده رضي الله عنهم مما لا يعرف أسماء أمهاتهم‏:‏ أم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الكبرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم جعفر، وأم سلمة، وجمانة‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ فجميع ولد علي أربعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وإنما كان النسل من خمسة‏:‏ وهو الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

وقد قال ابن جرير‏:‏ حدثني ابن سنان القزاز، حدثنا أبو عاصم، حدثنا مسكين بن عبد العزيز أنا حفص بن خالد حدثني أبي خالد بن جابر قال‏:‏ سمعت الحسن لما قتل علي قام خطيباً‏.‏

فقال‏:‏ لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، ورفع فيها عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى‏.‏

والله ما سبقه أحد من قبله ولا يدركه أحد يكون بعده، والله أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه في السرية جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة أو تسعمائة أرصدها لحادثة، وهذا غريب جداً وفيه نكارة والله أعلم‏.‏

وهكذا رواه أبو يعلى، عن إبراهيم بن الحجاج، عن مسكين به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة قال‏:‏

خطبنا الحسن بن علي قال‏:‏ لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له‏.‏

ورواه زيد العمي، وشعيب بن خالد، عن أبي إسحاق به وقال‏:‏ ما ترك إلا سبعمائة كان أرصدها يشتري بها خادماً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن عاصم بن كريب، عن محمد بن كعب القرظي‏:‏ أن علياً قال‏:‏ لقد رأيتني مع رسول الله وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وأن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفاً‏.‏

ورواه عن أسود، عن شريك به وقال‏:‏ إن صدقتي لتبلغ أربعين ألف دينار‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/369‏)‏

 شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

من ذلك أنه أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏.‏

أبو الحسن القرشي الهاشمي فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً‏.‏

وقد أسلمت وهاجرت، وأبوه هو العم الشقيق الرفيق أبو طالب، واسمه عبد مناف كذا نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل هو وغير واحد من علماء النسب وأيام الناس‏.‏

وزعمت الروافض أن اسم أبي طالب عمران وأنه المراد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وقد أخطأوا في ذلك خطأً كثيراً، ولم يتأملوا القرآن قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى، فإنه قد ذكر بعد هذه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 35‏]‏‏.‏

فذكر ميلاد مريم بنت عمران عليها السلام وهذا ظاهر ولله الحمد‏.‏

وقد كان أبو طالب كثير المحبة الطبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن به إلى أن مات على دينه كما ثبت ذلك في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ من رواية سعيد بن المسيب، عن أبيه في عرضه عليه السلام على عمه أبي طالب، وهو في السياق أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏

فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية‏:‏ يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب‏؟‏

فقال‏:‏ كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله، فخرج رسول الله وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك‏)‏‏)‏، فنزل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 56‏]‏‏.‏

ثم نزل بالمدينة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 113-114‏]‏‏.‏

وقد قررنا ذلك في أوائل المبعث ونبهنا على خطأ الرافضة في دعواهم أنه أسلم وافترائهم ذلك بلا دليل على مخالفة النصوص الصريحة‏.‏

وأما علي رضي الله عنه فإنه أسلم قديماً، وهو دون البلوغ على المشهور، ويقال‏:‏ إنه أول من أسلم من الغلمان، كما أن خديجة أول من أسلم من النساء، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي‏.‏

وقد روى الترمذي، وأبو يعلي، عن إسماعيل بن السدي، عن علي بن عياش، عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - عن أنس بن مالك قال‏:‏ بعث رسول الله يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء‏.‏

ورواه بعضهم عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - وقد روى سلمة بن كهيل، عن حبة، عن علي قال‏:‏ عبدت الله مع رسول الله سبع سنين قبل أن يعبده أحد‏.‏

وهذا لا يصح أبداً وهو كذب‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/370‏)‏

وروى سفيان الثوري، وشعبة، عن سلمة، عن حبة، عن علي قال‏:‏ أنا أول من أسلم‏.‏

وهذا لا يصح أيضاً وحبة ضعيف‏.‏

وقال سويد بن سعيد‏:‏ حدثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبد الله، عن معاذة العدوية قالت‏:‏ سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول‏:‏ أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم‏.‏ وهذا لا يصح قاله البخاري‏.‏

وقد ثبت عنه بالتواتر أنه قال على منبر الكوفة‏:‏ أيها الناس‏!‏ إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت‏.‏

وقد تقدم ذلك في فضائل الشيخين رضي الله عنهما وأرضاهما‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال‏:‏ أول من صلى - وفي رواية أسلم - مع رسول الله بعد خديجة علي بن أبي طالب‏.‏

ورواه الترمذي من حديث شعبة عن أبي بلج به‏.‏

وقد روي عن زيد بن أرقم، وأبي أيوب الأنصاري أنه صلى قبل الناس بسبع سنين، وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه‏.‏

وقد ورد في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء، وأجود ما في ذلك ما ذكرنا‏.‏

على أنه قد خولف فيه وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏ بتطريق هذه الروايات، فمن أراد كشف ذلك فعليه بكتابه ‏(‏التاريخ‏)‏، والله الموفق للصواب‏.‏

وقد روى الترمذي، والنسائي، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن زيد، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ أول من أسلم علي‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وصحب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بمكة، وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة أبيه لفقرٍ حصل لأبيه في بعض السنين مع كثرة العيال، ثم استمر في نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى زمن الهجرة، وقد خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من ودائع الناس، فإنه كان يعرف في قومه بالأمين، فكانوا يودعونه الأموال والأشياء النفيسة‏.‏

ثم هاجر علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وهو راضٍ عنه وحضر معه مشاهده كلها، وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب كما بينا ذلك في السيرة بما أغنى عن إعادته ها هنا، كيوم بدر وأُحد والأحزاب وخيبر وغيرها‏.‏

ولما استخلفه عام تبوك على أهله بالمدينة قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخوله بها بعد وقعة بدر بما أغنى عن إعادته‏.‏

ولما رجع عليه السلام من حجة الوداع فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له‏:‏ غدير خم خطب الناس هنالك في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة فقال في خطبته‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏

وفي بعض الروايات‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

والمحفوظ الأول، وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضله ما ذكره ابن إسحاق من أن علياً لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميراً هو وخالد بن الوليد، ورجع علي فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع‏.‏

وقد كثرت فيه المقالة، وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعاً كان خلعها نائبة عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/371‏)‏

فلما تفرغ رسول الله من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي بما نسب إليه من القول الذي لا أصل له، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيداً، فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في أيام بني بويه في حدود الأربعمائة كما سننبه عليه إذا انتهينا إليه إن شاء الله‏.‏

ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوماً تعلق المسوح على أبواب الدكاكين ويذر التبن والرماد، وتدور الذراري والنساء في سكك البلد تنوح على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتله، وسنبين الحق في صفة قتله كيف وقع الأمر على الجلية إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد كان بعض بني أمية يعيب علياً بتسميته أبا تراب، وهذا الاسم إنما سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏، عن سهل بن سعد أن علياً غاضب فاطمة فراح إلى المسجد فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً وقد لصق التراب بجلده فجعل ينفض عنه التراب ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اجلس أبا تراب‏)‏‏)‏‏.‏

حديث المؤآخاة

قال الحاكم‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد، حدثنا الحسين بن جعفر القرشي، حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي، حدثنا أيوب بن مدرك، عن مكحول، عن أبي أمامة قال‏:‏ لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين علي‏.‏

ثم قال الحاكم‏:‏ لم نكتبه من حديث مكحول إلا من هذا الوجه، وكان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية أهل الشام‏.‏

قلت‏:‏ وفي صحة هذا الحديث نظر، وورد من طريق أنس وعمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت أخي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

وكذلك من طريق زيد بن أبي أوفى، وابن عباس، ومحدوج بن زيد الذهلي، وجابر بن عبد الله، وعامر بن ربيعة، وأبي ذر، وعلي نفسه نحو ذلك وأسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشيء منها حجة و الله أعلم‏.‏

و قد جاء من غير وجه أنه قال‏:‏ أنا عبد الله، وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلا كذاب‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، ثنا علي بن قادم، ثنا علي بن صالح بن حيي، عن حكيم بن جبير، عن جُميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال‏:‏ آخى رسول الله بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال‏:‏ يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخي بيني و بين أحد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت أخي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وفيه‏:‏ عن زيد بن أبي أوفى، وقد شهد بدراً‏.‏

وقد قال رسول الله لعمر‏:‏ ‏(‏‏(‏وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‏؟‏‏)‏‏)‏

وبارز يومئذ كما تقدم، وكانت له اليد البيضاء، ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يومئذٍ وهو ابن عشرين سنة قاله الحكم عن مقسم، عن ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ وكانت تكون معه راية المهاجرين في المواقف كلها، وكذلك قال سعيد بن المسيب وقتادة‏.‏

وقال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي الحافظ‏:‏ حدثنا أحمد بن حازم عن ابن أبي غرزة، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا ناصح بن عبد الله المحملي، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال‏:‏

قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب ‏؟‏‏)‏‏)‏ وهذا إسناد ضعيف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/372‏)‏

ورواه ابن عساكر، عن أنس بن مالك ولا يصح أيضاً‏.‏

وقال الحسن بن عرفة‏:‏ حدثني عمار بن محمد، عن سعيد بن محمد الحنظلي، عن أبي جعفر بن علي قال‏:‏ نادى منادٍ في السماء يوم بدر‏:‏ لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وهذا مرسل وإنما تنفل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه لعلي بعد ذلك‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني علي بن المغيرة، عن معمر بن المثنى قال‏:‏ كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي بن أبي طالب ففي ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي‏:‏

لله أي مذنبٍ عن حربه * أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنةٍ * تركت طليحة للجبين مجندلا

وشددت شدة باسلٍ فكشفتهم * بالحق إذ يهوون أخول أخولا

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا

وشهد بيعة الرضوان، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يدخل أحد بايع تحت الشجرة النار‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ثبت في ‏(‏الصحاح‏)‏ وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفّرار يفتح الله على يديه‏)‏‏)‏‏.‏

فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها حتى قال عمر‏:‏ ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، فلما أصبح أعطاها علياً ففتح الله على يديه‏.‏

ورواه جماعة منهم مالك، والحسن، ويعقوب بن عبد الرحمن، وجرير بن عبد الحميد، وحماد بن سلمة، وعبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله بن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أخرجه مسلم‏.‏

ورواه ابن أبي حازم، عن سهل بن سعد أخرجاه في ‏(‏الصحيحين‏)‏، وقال في حديثه‏:‏ فدعا به رسول الله وهو أرمد فبصق في عينه فبرأ‏.‏

ورواه إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، ويزيد بن أبي عبيد، عن مولاه سلمة أيضاً، وحديثه عنه في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني بريدة، عن سفيان، عن أبي فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد‏.‏

ثم بعث عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/373‏)‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفّرار‏)‏‏)‏‏.‏

قال سلمة‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك‏)‏‏)‏‏.‏

قال سلمة‏:‏ فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن‏.‏

فقال‏:‏ من أنت‏؟‏

قال‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏

قال اليهودي‏:‏ غلبتم ومن أنزل التوراة على موسى‏.‏

قال‏:‏ فما رجع حتى فتح الله علي يديه‏.‏

وقد رواه عكرمة بن عمار، عن عطاء مولى السائب، عن سلمة بن الأكوع، وفيه أنه هو الذي جاء به يقوده وهو أرمد حتى بصق رسول الله في عينيه فبرأ‏.‏

رواية بريدة بن الحصيب

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا زيد بن الحباب، ثنا الحسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة، حدثني بريدة بن الحصيب قال‏:‏ حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له‏.‏

ثم أخذه من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذٍ شدة وجهد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له‏)‏‏)‏ - وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً -‏.‏

قال‏:‏ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الغداة، ثم قام قائماً فدعا باللواء والناس على مصافهم فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء ففتح له‏.‏

قال بريدة‏:‏ وأنا فيمن تطاول لها، ورواه النسائي من حديث الحسين بن واقد به أطول منه، ثم رواه أحمد، عن محمد بن جعفر وروح كلاهما عن عوف، عن ميمون أبي عبد الله الكردي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به نحوه، وأخرجه النسائي عن بندار، وغندر به وفيه الشعر‏.‏

رواية عبد الله بن عمر

ورواه هشيم، عن العوام بن حوشب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر فذكر سياق حديث بريدة ورواه كثير من النواء عن جميع بن عمير، عن ابن عمر نحوه وفيه قال علي‏:‏ فما رمدت بعد يومئذٍ‏.‏

ورواه أحمد عن وكيع، عن هشام بن سعيد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر كما سيأتي‏.‏

رواية ابن عباس

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال‏:‏ أين علي ‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ يطحن‏.‏

قال‏:‏ وما أحد منهم يرضى أن يطحن، فأتي به فدفع إليه الراية فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب‏.‏

وهذا غريب من هذا الوجه وهو مختصر من حديث طويل‏.‏

ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس فذكره بتمامه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/374‏)‏

فقال الإمام أحمد عن يحيى بن حماد‏:‏ حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، ثنا عمر بن ميمون قال‏:‏ إني لجالس إلى عن ابن عباس، إذا أتاه تسعة رهط فقالوا‏:‏ يا بن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلونا هؤلاء‏؟‏

فقال‏:‏ بل أقوم معكم - وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى - قال‏:‏ ابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا‏.‏

قال‏:‏ فجاء ينفض ثوبه ويقول‏:‏ أف وتف، وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فاستشرف لها من استشرف‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أين علي ‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ في الرحا يطحن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما كان أحدكم ليطحن‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثاً فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب قال‏:‏ ثم بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال لبني عمه‏:‏ ‏(‏‏(‏أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ‏؟‏‏)‏‏)‏، فأبوا‏.‏

فقال علي‏:‏ أنا أواليك في الدنيا والآخرة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت وليي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏

قال‏:‏ وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة‏.‏

قال‏:‏ وأخذ رسول الله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وشرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال‏:‏ وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم وأبو بكر يحسب أنه نبي الله‏.‏

فقال‏:‏ يا نبي الله ‏!‏‏.‏

فقال له علي‏:‏ إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه‏.‏

قال‏:‏ فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال‏:‏ وجعل علي يُرمي بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضرر، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه فقالوا‏:‏ إنك لئيم كان صاحبك ترميه فلا يتضرر، وأنت تتضرر وقد استنكرنا ذلك‏.‏

قال‏:‏ وخرج - يعني‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فقال له علي‏:‏ أخرج معك‏؟‏

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ‏!‏‏)‏‏)‏

فبكى علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي‏؟‏ إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وسد أبواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره‏.‏

قال‏:‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد‏.‏

قال‏:‏ وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال‏:‏ ائذن لي أن أضرب عنق هذا المنافق - يعني‏:‏ حاطب بن أبي بلتعة - قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم واستغربه‏.‏

وأخرج النسائي بعضه أيضاً، عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد به‏.‏

وقال البخاري في ‏(‏التاريخ‏)‏‏:‏ حدثنا عمر بن عبد الوهاب الرماحي، حدثنا معمر بن سليمان، عن أبيه، عن منصور، عن ربعي، عن عمران بن حصين‏.‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏ فبعث إلى علي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية فما رد وجهه وما اشتكاهما بعد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/375‏)‏

، ورواه أبو القاسم البغوي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي موسى الهروي، عن علي بن هاشم، عن محمد بن علي عن منصور، عن ربعي عن عمران فذكره‏.‏

وأخرجه النسائي بعد عن عباس العنبري، عن عمر بن عبد الوهاب به‏.‏

رواية أبي سعيد في ذلك

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا مصعب بن المقدام، وحجين بن المثنى قالا‏:‏ ثنا إسرائيل، حدثنا عبد الله بن عصمة قال‏:‏ سمعت أبا سعيد الخدري يقول‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يأخذها بحقها‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء فلان فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم جاء رجل آخر، فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي أكرم وجه محمد لأعطينها رجلاً لا يفر‏)‏‏)‏، فجاء علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقديدههما‏.‏

ورواه أبو يعلي، عن حسين بن محمد، عن إسرائيل وقال في سياقه‏:‏ فجاء الزبير فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم جاء آخر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏، وذكره تفرد به أحمد‏.‏

رواية علي بن أبي طالب في ذلك

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ كان أبي يسير مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف‏.‏

فقيل له‏:‏ لو سألته

فسأله فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت‏:‏ يا رسول الله إني أرمد العين، فتفل في عيني فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أذهب عنه الحر والبرد‏)‏‏)‏ فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار‏)‏‏)‏ فتشرف لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيها‏.‏

تفرد به أحمد وقد رواه غير واحد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن علي به مطولاً‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى قالت‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي، وتفل في عيني يوم خيبر وأعطاني الراية‏.‏

رواية سعد بن أبي وقاص في ذلك

وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال أحمد، ومسلم، والترمذي‏:‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال له‏:‏ أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال‏:‏ ما يمنعك أن تسب أبا تراب‏؟‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/376‏)‏

فقال‏:‏ أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏

لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وخلفه في بعض مغازيه - فقال له علي‏:‏ يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان ‏؟‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فتطاولت لها، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي علياً‏)‏‏)‏ فأُتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه‏.‏

ولما نزلت هذه الآية ‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 61‏]‏‏.‏

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم هؤلاء أهلي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث سعيد بن المسيب، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ويستغرب من رواية سعيد عن سعد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أحمد الزبيري، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه - يعني‏:‏ عبد الله بن عمر - عن سعد قال‏:‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك خلف علياً فقال‏:‏ أتخلفني‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه‏.‏

وقال الحسن بن عرفة العبدي‏:‏ حدثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير، عن موسى بن مسلم الشيباني، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ قدم معاوية في بعض حجاته فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا علياً‏.‏

فقال سعد‏:‏ له ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها‏.‏

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏، لم يخرجوه، وإسناده حسن‏.‏

وقال أبو زرعة الدمشقي‏:‏ ثنا أحمد بن خالد الذهبي أبو سعيد، ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه قال‏:‏ لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه فطف نطف بطوافك‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغ أدخله دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه‏.‏

فقال‏:‏ أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك، ثم وقعت في علي تشتمه ‏؟‏

والله لأن يكون في إحدى خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال حين غزا تبوكاً ‏(‏‏(‏إلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏

أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال له يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار‏)‏‏)‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/377‏)‏

أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها الولد ماله أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال‏:‏ يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏ إسناده على شرطهما، ولم يخرجاه‏.‏

وهكذا رواه أبو عوانة، عن الأعمش، عن الحكم بن مصعب، عن أبيه، ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه فالله أعلم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، حدثنا الجعد بن عبد الرحمن الجعفي، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها‏:‏ أن علياً خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول‏:‏ تخلفني مع الخوالف ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد صحيح أيضاً ولم يخرجوه‏.‏

وقد رواه غير واحد، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفى، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الفضل، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة‏.‏

وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة علي في ‏(‏تاريخه‏)‏ فأجاد وأفاد وبرز على النظراء والأشباه والأنداد‏.‏ رحمه رب العباد يوم التناد‏.‏

رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك

قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا عبد الله بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، أخبرني سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏

قال عمر‏:‏ لقد أُعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من حمر النعم‏.‏

قيل‏:‏ وما هن يا أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر‏.‏

وقد روى عن عمر من غير وجه‏.‏

رواية ابن عمر رضي الله عنهما

وقد رواه الإمام أحمد‏:‏ عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر قال‏:‏ كنا نقول في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس أبو بكر ثم عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث لأن أكون أعطيتهن أحب إليّ من حمر النعم‏.‏ فذكر هذه الثلاث‏.‏

وقد روى أحمد، والترمذي، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/378‏)‏

ورواه أحمد من حديث عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حكيم، عن ابن عمر مرفوعاً‏.‏

ورواه سلمة بن كهيل، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏‏.‏ قال سلمة‏:‏ وسمعت مولى لبني موهب يقول‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما‏.‏

قال سفيان الثوري‏:‏ عن ابن نجيح، عن أبيه، سمع رجل علياً على منبر الكوفة يقول‏:‏ أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل عندك شيء ‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ عندي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأعطها‏)‏‏)‏

فأعطيتها فزوجني، فلما كان ليلة دخلت عليها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تحدثا شيئاً حتى آتيكما‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء فتحثثنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مكانكما‏)‏‏)‏، ثم دعا بقدح من ماء فدعا فيه، ثم رشه عليّ وعليها‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله، أنا أحب إليك أم هي‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هي أحب إليّ وأنت أعز عليّ منها‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى النسائي من طريق عبد الكريم بن سليط، عن ابن بريدة، عن أبيه فذكره بأبسط من هذا السياق‏.‏

وفيه‏:‏ أنه أولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من الذرة من عند جماعة من الأنصار، وأنه دعا لهما بعد ما صب عليهما الماء‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم بارك لهما في شملهما‏)‏‏)‏ - يعني‏:‏ الجماع - وقال محمد بن كثير‏:‏ عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما خطب علي فاطمة دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بنية‏!‏ إن ابن عمك علياً قد خطبك فماذا تقولين‏؟‏

فبكت ثم قالت‏:‏ كأنك يا أبت إنما دخرتني لفقير قريش‏؟‏

فقال‏:‏ والذي بعثني بالحق ما تكلمت فيه حتى أذن الله لي فيه من السموات‏.‏

فقالت فاطمة‏:‏ رضيت بما رضي الله ورسوله‏.‏

فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي أخطب لنفسك‏)‏‏)‏‏.‏

فقال علي‏:‏ الحمد الله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله زوجني ابنته على صداق مبلغه أربعمائة درهم، فاسمعوا ما يقول واشهدوا‏.‏

قالوا‏:‏ ما تقول يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهدكم أني قد زوجته‏)‏‏)‏‏.‏

رواه ابن عساكر وهو منكر، وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة، ضربنا عنها لئلا يطول الكتاب بها‏.‏

وقد أورد منها طرفاً جيداً الحافظ ابن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏‏.‏

وقال وكيع‏:‏ عن أبي خالد، عن الشعبي قال‏:‏ قال علي‏:‏ ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته‏.‏

وفي رواية مجالد، عن الشعبي‏:‏ ونعلف عليه الناضح بالنهار وما لي خادم عليها غيرها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7/379‏)‏

حديث آخر

قال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد‏.‏

قال‏:‏ فقال يوماً‏:‏ ‏(‏‏(‏سدوا هذه الأبواب إلا باب علي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فتكلم في ذلك أناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال‏:‏ فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئاً إلا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو الأشهب‏:‏ عن عوف، عن ميمون، عن البراء بن عازب فذكره‏.‏

وقد تقدم ما رواه أحمد، والنسائي من حديث أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس الحديث الطويل وفيه سد الأبواب غير باب علي‏.‏

وكذا رواه شعبة، عن أبي بلج‏.‏

ورواه سعد بن أبي وقاص قال أبو يعلى، ثنا موسى بن محمد بن حسان، ثنا محمد بن إسماعيل بن جعفر الطحان ثنا غسان بن بسر الكاهلي، عن مسلم، عن خيثمة، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبواب المسجد وفتح باب علي، فقال الناس في ذلك‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أنا فتحته، ولكن الله فتحه‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا لا ينافي ما ثبت في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ من أمره عليه السلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق، لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقاً بها‏.‏

وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام، وفيه إشارة إلى خلافته‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطية، عن أبي سعيد، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك‏)‏‏)‏‏.‏

قال علي بن المنذر‏:‏ قلت لضرار بن صُرَدَ‏:‏ ما معنى هذا الحديث‏؟‏

قال‏:‏ لا يحل لأحد يستطرقه جُنباً غيري وغيرك‏.‏

ثم قال الترمذي‏:‏ وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد سمع محمد بن إسماعيل هذا الحديث‏.‏

وقد رواه ابن عساكر من طريق كثير النواء، عن عطية، عن أبي سعيد به‏.‏

ثم أورده من طريق أبي نعيم‏:‏ حدثنا عبد الملك بن أبي عيينة، عن أبي الخطاب عمر الهروي، عن محدوج، عن جسرة بنت دجاجة أخبرتني أم سلمة قالت‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته‏:‏ ‏(‏‏(‏أنه لا يحل لجنب أو لحائض إلا لمحمد وأزواجه، وعلي، وفاطمة بنت محمد، ألا هل بينّت لكم الأسماء أن تضلوا‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد غريب وفيه ضعف، ثم ساقه من حديث أبي رافع بنحوه، وفي إسناده غرابة أيضاً‏.‏

حديث آخر

قال الحاكم وغير واحد‏:‏ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة بن الحصيب‏:‏ قال‏:‏ غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏)‏‏)‏ ‏؟‏‏.‏

فقلت‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7 /380‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، ثنا الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثتين إلى اليمن على إحداهما علي بن أبي طالب، وعلى الأخرى خالد بن الوليد‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا التقيتما فعلي على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه‏.‏

قال بريدة‏:‏ فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فلما أتيت رسول الله دفعت إليه الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه فبلغت ما أرسلت به‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه؛ وهو وليكم بعدي‏)‏‏)‏ هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه والله أعلم‏.‏

والمحفوظ في هذا رواية أحمد، عن وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي وليه‏)‏‏)‏

ورواه أحمد أيضاً‏:‏ والحسن بن عرفة، عن الأعمش به‏.‏

ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا روح بن علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس قال‏:‏ فأصبح ورأسه تقطر‏.‏

فقال خالد لبريدة‏:‏ ألا ترى ما يصنع هذا ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ فلما رجعت إلى رسول الله أخبرته ما صنع علي‏.‏ قال‏:‏ - وكنت أبغض علياً -‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة أتبغض علياً ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ نعم ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تبغضه وأحبه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه البخاري في ‏(‏الصحيح‏)‏ عن بندار، عن روح به مطولاً‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال‏:‏ انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة‏:‏ حدثني أبي بريدة قال‏:‏ أبغضت علياً لم أبغضه أحداً، قال وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً، فبعث ذلك الرجل على خيل‏:‏ قال‏:‏ فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه علياً فأصبنا سبياً، فكتبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا من يخمسه، فبعث إلينا علياً‏.‏

قال‏:‏ وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي - فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر‏.‏

فقلنا‏:‏ يا أبا الحسن ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ ألم ترو إلى الوصيفة التي كانت في السبي‏؟‏ فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي فوقعت بها‏.‏

قال‏:‏ وكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقلت‏:‏ ابعثني‏؟‏ فبعثني مصدّقاً‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق‏.‏

قال‏:‏ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيدي والكتاب، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتبغض علياً ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت نعم ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فلا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7/381‏)‏

قال‏:‏ فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من علي‏.‏

قال عبد الله‏:‏ فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة، وتفرد به أحمد‏.‏

وقد روى غير واحد هذا الحديث عن أبي الجواب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب نحو رواية بريدة بن الحصيب وهذا غريب‏.‏

وقد رواه الترمذي‏:‏ عن عبد الله بن أبي زياد، عن أبي الجواب الأحوص بن جواب به، وقال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه، إلا من حديثه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثني يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال‏:‏ بعث رسول الله سرية، وأمر عليها علي بن أبي طالب فأحدث شيئاً في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال عمران‏:‏ وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمنا عليه‏.‏

قال‏:‏ فدخلوا عليه فقام رجل منهم، فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه‏.‏

ثم قام الثالث فقال‏:‏ يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا‏.‏

ثم قام الرابع فقال‏:‏ يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا‏.‏

قال‏:‏ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع وقد تغير وجهه، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الترمذي، والنسائي عن قتيبة، عن جعفر بن سليمان، وسياق الترمذي مطول، وفيه‏:‏ أنه أصاب جارية من السبي، ثم قال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان‏.‏

ورواه أبو يعلي الموصلي‏:‏ عن عبد الله بن عمر القواريري، والحسن بن عمر بن شقيق الحرمي، والمعلى بن مهدي كلهم عن جعفر بن سليمان به‏.‏

وقال خيثمة بن سليمان‏:‏ حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا عبيد الله بن موسى بن يوسف بن صهيب، عن دكين، عن وهب بن حمزة قال‏:‏ سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة فقلت‏:‏ لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنالن منه‏.‏

قال‏:‏ فرجعت، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت علياً فنلت منه‏.‏

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقولن هذا لعلي فإن علياً وليكم بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن أبي إسحاق، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قالت‏:‏ اشتكى علياً الناس، فقام رسول الله فينا خطيباً‏.‏

فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأجيش في ذات الله - أو في سبيل الله -‏)‏‏)‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 7 /382‏)‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، إنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا أبو إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي إدريس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ فكنت فيمن خرج معه، فلما أحضر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً - فأبى علينا وقال‏:‏ إنما لكم منها سهم كما للمسلمين‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغ علي وانصرف من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج‏.‏

فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء علي عرف في إبل الصدقة أنها قد رُكبت - رأى أثر المراكب - فذم الذي أمّره ولامه‏.‏

فقلت‏:‏ أما إن لله عليّ إن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذكرن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأخبرته ما لقينا من الغلظة والتضييق‏.‏

قال‏:‏ فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أذكر له ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما رآني وقف معي ورحب بي، وسألني وسألته‏.‏

وقال‏:‏ متى قدمت‏؟‏

قلت‏:‏ قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ هذا سعد بن مالك بن الشهيد‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ائذن له‏)‏‏)‏‏.‏

فدخلت فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني، وسلمت عليه، وسألني عن نفسي وعن أهلي، فأخفى المسألة‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فابتدر رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي - وكنت منه قريباً - وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏سعد بن مالك بن الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه جيش في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقلت في نفسي‏:‏ ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانية‏.‏

وقال يونس بن بكير‏:‏ عن محمد بن إسحاق، حدثني أبان بن صالح، عن عبد الله بن دينار الأسلمي، عن خاله عمرو بن شاش الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال‏:‏ كنت مع علي في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فجفاني علي بعض الجفاء، فوجدت عليه في نفسي‏.‏

فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته، فأقبلت يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إليّ حتى جلست إليه‏.‏

فلما جلست إليه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنه والله يا عمرو لقد آذيتني‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، أعوذ بالله والإسلام أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 7 /383‏)‏

وقد رواه أحمد، عن يعقوب، عن أبيه إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل، عن عبد الله بن دينار، عن خاله عمرو بن شاش فذكره‏.‏

وكذا رواه غير واحد، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن الفضل، وكذلك رواه سيف بن عمر، عن عبد الله بن سعيد عن أبان بن صالح به ولفظه‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من آذى مسلماً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله‏)‏‏)‏‏.‏

وروى عباد بن يعقوب الرواجني، عن موسى بن عمير، عن عقيل بن نجدة بن هبيرة، عن عمرو بن شاش قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عمرو، وإن من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا محمود بن خداش، ثنا مروان بن معاوية، ثنا فنان بن عبد الله النهمي، ثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال‏:‏ كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مالكم ومالي من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏